اغتيال الجسد.. وبقاء الرمز: لماذا فشل الحوثيون في قتل صالح في ذاكرة اليمنيين؟
همدان العليي
مرت نحو ثماني سنوات منذ استشهاد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح على يد جماعة الحوثي وهو في طريقه إلى منزله الريفي بمنطقة سنحان، واليوم تحتفي عائلته بزفاف أحد أبنائه وعدد من أقاربهم في العاصمة المصرية القاهرة وبحضور جمع كبير ولافت من اليمنيين الذين ينتمون لكافة المكونات السياسية والاجتماعية اليمنية.
منذ الظهور الأول للحوثيين كجماعة منظمة في صعدة، وهي تستهدف الدولة اليمنية وجيشها وحكومتها ورموزها على رأسهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح –رحمه الله- وعائلته مستخدمة مبررات مختلفة، تارة بذريعة العمالة لأمريكا وإسرائيل، وتارة أخرى لمشاركة الجيش اليمني في قتال النظام الإيراني إلى جانب الجيش العراقي، أو بذريعة مكافحة الفساد، لكنهم أحيانا يفصحون عن السبب الحقيقي، بحسب اعتقادهم، أن الرئيس صالح أخذ ما ليس له، وأن حكم اليمن يجب أن يكون حصرا لشخص من "آل البيت" كما أكد الحوثي الأب "بدر الدين" -والد حسين الحوثي مؤسس الجماعة- في مقابلة قديمة مع صحيفة "الوسط" اليمنية.
لكن وتيرة التحريض والتعبئة الدعائية ضد صالح تزايدت عقب اغتاله بهدف محو الرجل من ذاكرة اليمنيين ومن الوجدان العام لا من مقعد الحكم فقط.
لم تدخر جماعة الحوثي جهدا ولا مالا في محاولتها طمس رمزية صالح، فاستنفرت ماكيناتها الإعلامية، ومعها أدوات المنظومة الخمينية في المنطقة، لتغرس في ذاكرة اليمنيين صورة شائهة عنه. فاختلقت القصص وروجت الأكاذيب وألصقت به وعائلته تهم الخيانة والعمالة والارتزاق، وقدمت تاريخه كله كأنه مؤامرة خارجية على اليمن واليمنيين.
مع ذلك، ثماني سنوات من الضخ الدعائي، ومحاولات تجريف رمزيته، لم تكن كافية لقتل "صالح" القائد الجمهوري الذي يسكن ذاكرة شريحة واسعة من اليمنيين، والذي يمكن القول بانه خرج من عباءة السلطة إلى خانة الرموز التاريخيين لا سيما وهو الذي ختم حياته حاملا البندقية مقاتلا لواحدة من أبشع وأخطر الجماعات الإرهابية والعنصرية في عصرنا الحالي.
بالأمس فقط، وفي عرس أحد أبنائه، تكاثرت الجموع حول أبناء صالح وأبناء أخيه، تزاحموا للسلام عليهم والتقاط الصور معهم، حتى أولئك الذين اختلفوا معهم، حضروا بكل حماسة وصدق للاحتفاء بأفراح عائلة رجل تحاول الإمامة السلالية بكامل طاقتها وامكانياتها محوه من الذاكرة اليمنية بعدما نجحت في تصفيته.
نعم.. نجحت عصابة الحوثي في اغتيال جسد صالح في وضح النهار، لكنها فشلت فشلا ذريعا في اغتيال الرمز صالح، وربما هذه هي المفارقة التي يخشاها الحوثيون. صالح الذي قتلوه وأخفوا جثته لطمس رمزيته ومكانته بين اليمنيين، يعود إليهم من أبواب الناس وقلوبهم، دون أن يتم حشدهم بالأموال ولا بالترهيب أو بالتهديد بالحرمان من أسطوانة الغاز أو الترغيب ومنح طلاب المدارس والجامعات درجات إضافية.
صالح حكم اليمن لعقود، وارتبطت به أجيال بل ومرحلة كاملة من تاريخ البلاد بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات وهذا خلق ذاكرة جمعية لدى الملايين وهي اليوم تنتقل إلى جيل جديد لم يعش في فترة حكم الرئيس صالح، لكنه سمع بها وقرأ عنها ووجدها في الطرقات والمؤسسات التي بنيت في زمنه، وهو يقارنها مع ما أنتجته عصابة عنصرية طائفية تجيد تدمير أي شيء حولها من أجل الخرافة السلالية.. خرافة آل البيت.
كثير ممن حضروا عرس عائلة صالح ليسوا من الجيل الذي عاش فترة حكمه.. فكيف انتقلت محبة صالح من الجيل القديم إلى الجيل الجديد؟ كيف أحب جيل ما بعد صالح رجلا لم يحكمهم؟
باعتقادي ثمة أسباب كثيرة تفسر هذا الأمر، لكن أهمها أن الجيل اليمني الجديد يستخدم صالح وأبنائه وأبناء أخيه -المقاتلين في الميادين اليوم بكل بسالة وبطولة- كشعار مقاوم للحوثية أو للإمامة بصورتها الجديدة. يكره الجيل الجديد من اليمنيين عصابة الحوثي بكل تفاصيلها، ويبحثون عن أي رمزية تعادي هذه الجماعة فيلتفون حولها ويؤيدونها ويدعمونها.. الالتفاف حول عائلة صالح أو أي رمز يمني يواجه الحوثيين، تعتبر وسيلة من وسائل الشعب اليمني لمواجهة هذه العصابة الرجعية.
في نهاية القول.. هذه رسالة للحوثيين:
إذا كنتم قد فشلتم في طمس صورة صالح وهو شخص غادر الحكم قبل 13 عاما وقتل قبل 8 أعوام تقريبا، فكيف ستنجحون في زرع معتقدكم العنصري وإقناع اليمنيين بأن سلالة "آل البيت" أسياد وأن بقية اليمنيين مجرد رعايا وأتباع (عبيد) لا يحق أن يحكموا في بلادهم؟ الدعاية والأكاذيب والتعبئة قد تحقق مكاسب مؤقتة، لكنها تفشل وتنهار عند أول احتكاك مباشر بالواقع وتفاصيله اليومية، خاصة حين يكون الواقع قائم على القمع والفقر والتمييز "العرقطائفي". مهما اعتقدتم بأنكم تغيرون في معتقدات الناس لصالح معتقدكم العنصري، تذكروا بأن أبرز قادة ورموز ثورة 26 سبتمبر كانوا يعملون مع الأئمة لكن اصطدامهم بالواقع العنصري والاستبدادي ساهم في تنويرهم.. هذا كان في زمن الجهل والظلام وعدم توفر الكهرباء والإنترنت، أما اليوم، فالحجب مستحيل والمعلومة تنتشر كالنار في الهشيم.
نعم.. نجحتم في تكميم الأفواه نسبيا عبر التجويع والترهيب وشراء ذمم الضعفاء والانتهازيين والفشلة، واستطعتم فرض روايتكم على بعض من يخشاكم ويحتاج إلى أن يعيش دون أن تمسوه بمكروه، لكنكم لن تستطيعوا قتل الذاكرة أو تغيير الحقيقة.
عجزتم عن محو ذكرى رجل رحل إلى جوار ربه، فكيف ستتمكنون من إقناع الأحياء بأن يعبدوا السلالة في زمن أصبحت فيه المعلومة أسرع من الرصاصة؟!
الحكم القائم على زرع الرعب في نفوس الناس لإخضاعهم، سينهار بمجرد كسر حاجز الخوف.. فهل من مدّكر؟!