نحن لا نعيش في وطن.. بل في مزرعة جباية!
عبدالوهاب قطران
أغلقت صفحتي منذ أسبوع، قلت ألتقط أنفاسي، أحاول أهدأ... مرهق، مستنزف، متعب، مريض الحساسية الجلدية عادت لي من جديد، تلك التي أصابتني في سجن المخابرات بسبب الماء المذحل الذي لا يصلح للاستخدام الآدمي.
تعالجت عند أطباء كُثر، هدأت الأعراض وعادت. آخر طبيب وصف لي أدوية أرسلها لي صديق من القاهرة قبل ثلاثة اشهر هدأت الحساسية شهرين، ثم عادت. والسبب؟
حريق الدم... الهم... القهر...
كنت قبل ساعة مطنناً غارقًا في التفكير:
كيف أتدبر تكلفة العملية الجراحية لأم أولادي لترقيع طبلة أذنها المتآكلة والتى قرر الأطباء التعجيل بإجرائها؟
كيف أسدد رسوم التعليم المخصص المسلع رسوم الجامعات لأولادي؟
أقساط المدارس؟ الكتب؟ أجور الباصات؟
رسوم "المشاركة المجتمعية" للمدارس الحكومية التي صارت تجارة رابحة؟!
كل شيء على حسابنا:
لا تعليم عام مجاني
لا علاج ولا تطبيب عام مجاني
لا كهرباء عمومية مدعومة
لا ماء نظيف
لا خدمات...
ومع هذا، تطالبوننا بالضرائب؟!
الكهرباء الحكومية نشتريها بـ230 ريالاً للكيلو، يضيفون عليها 1000 ريال اشتراكا شهريا، صندوق معلم، رسوم نظافة، مجلس محلي... وتأتي الفاتورة بـ18 ألف ريال شهريًا.
الإنترنت؟ أبطأ إنترنت في العالم، وأغلاه!
الاتصالات؟ والنت شهريًا 20 ألف ريال.
الغاز؟ أسعاره باهظة يباع كسلعة فاخرة!
الماء؟ نشتري وايتات.
الدواء؟ من جيوبنا.
المدارس؟ بفلوسنا.
الجامعات؟ من دمنا!
ثم تأتي الدولة – إن كانت هناك دولة – تطالبنا برسوم المجاري!
قبل ساعة، طرق الباب ابني أحمد، وقال:
"يا أبه، اثنين رجال واقفين على الباب، يقولوا لازم نوريهم اتفاقية المجاري ونسدد رسوم المجاري، وإلا بيقلعوا القصبة ويسدوا المجاري معك مهلة للصباح!"
أي اتفاقية؟!
نحن اشترينا هذا البيت وقف لبنة ونص شعبي قبل سبع سنوات، لا أحد قال لنا يومًا إن المجاري تحتاج رسوم!
قالوا: "2000 ريال على كل دور، وإذا فيه أكثر من حمام بالدور 2000 ريال عن كل حمام!"
نعم، صدق أو لا تصدق:
ضريبة على عدد الحمامات في بيتك!
المهم قلنا سنهدأ ونتوقف عن الكتابة والهرم والدحس ووجع القلب، ابن آدم مستور بالعافية، والبيوت قبور أهلها، ولكن ماحد يخليك تموت مسلم..
تذكرت في لحظتها معاناة وعذابات الفلاحين بالريف اليمني في هذه السنة القاحلة المجدبة الجافة المتصحرة، ومنهم إخوتي في همدان، الذين جفّت آبارهم الارتوازية، وماتت مزارع العنب التي كانت تسقيهم وتكسوهم وتعينهم.
أرضهم أصبحت يبابًا.
الربيع مرّ دون مطر،
الصيف كذلك،
ثم الخريف...
عام قحط وجفاف وتصحر وقيظ خانق.
ووجعي الأكبر؟ أنني عاجز عن مساعدتهم.
قلبي يؤلمني، يحترق، وأنا لا أملك غير الهم والخذلان.
الدولة تتفرج، بل تطالبهم بالمزيد من الجبايات، وكأنها تطلب من الأرض أن تُثمر دون ماء، وتريد من العنب أن يرويها وهي تشرب دماء الفلاح.
الدستور اليمني يقول:
"لا ضرائب ولا رسوم إلا بقانون"
لكنكم صرتم دولة فوق القانون.
نحن لا نعيش في وطن، بل في مزرعة جباية.
ندفع لكل شيء، ولا نحصل على شيء.
لا مرتبات منذ سبع سنوات، وتصرفون لنا نصف مرتب صدقة لا يكفي لسداد فواتيركم!
اليوم اتفاقية مجاري...
وغدًا بصيرة البيت...
وبعد غدٍ ضريبة على التنفس!
ما عاد ينقصنا الا ندفع لكم حق المجاري نشخ بزلط بفلوس..
اليوم تطالبونا بااتفاقيات المجاري!!
وغدا ستطلبوا مننا إبراز بصائر بيوتنا، وإثبات أنها ملكنا..
أصلا احنا عندكم مستأجرين مجرد أجراء، وأنتم أهل البيت!!
الأرض أرضكم والبلاد بلادكم..
واحنا غرباء ندور لنا بلاد ثانية ونتركها لكم..
وصلتم حدًا لم يسبق إليه أحد من العالمين:
تريدون أن ندفع لكم كي نشخ!
جنان لوزي لوزي..
قد واحد يشرب البريك ويأكل الصبرة عرض..
*من صفحة الكاتب على إكس